السبت، 2 مايو 2009

ذكريات ديناصور 2


شاي بدورين
يقف الفتي حسن ذو الــ 13 عاما ناظرا الي وكأني جرحت كبريائه ووجهت له اهانة بعدم مقدرته علي عمل دور شاي يرضيني ثم تقدم نحو المربط وهو مستمر في السلك الكهربائي من المندرة البحرية الي مكان المربط ثم تقدم واخرج مشترك كهربي من الكرتونة اوصل له السلك الكهربي ثم نظر الي وقال
: ماتخافش يا عمي انا باظبط الشاي كويس ! ابويا مش بيشربه الا من ايدي ولما حد بييجي معاه انا اللي باعمل لهم الشاي !
: تسلم ايديك يا واد يا حسن بس تعالي اجعود وسيبني انا بس اعمل الشاي المرة دي يمكن تتعلم مني حاجة جديدة !
ينظر الي الفتي وهو يبتسم ثم يقول
: لازم بجا هاتعمل لنا شاي مصراوي !
ثم ينظر الي اخيه محمود وابناء عمه ايمن الثلاثة ويضحك ويضحكون بشدة واتوجه اليهم انا متجهما وكأني غاضب رافعا حاجب عن الاخر
: اني فلاح اكتر منكم ومن ابوكم ياولاد ...... منك له انت وهو !!!
مازالوا مبتسمين ينظرون الي نظرة فاحصة وكأنهم يحاولون التأكد من صحة كلامي إلا حسن فنظرته تحمل تحدي ثم يقول
: طيب يا عمي اعمل اللي يريحك ! لما نشوف هاتعمل ايه !؟!؟!؟
: بس تعالي اجعود انت يافالح واني اوريلك هاعمل ايه !
: اني هاجيبلك بجيت الحاجة واعمل انت اللي انت عاوزه !
يرجع حسن الي المندرة ويعود حاملا كاسيت كبير يضعه داخل مربع المربط علي الفرش فوق احد المساند ويوصله بالمشترك الكهربي ويقوم بتشغيله وينطلق صوت الموسيقا بأحد الأغاني الشعبية التي نسمعها في افراحنا اقوم انا وافرغ باقي محتويات الكرتونة من اكواب وبرطمان فيه سكر وواحد اخر اصغر حجما فيه شاي وكنكة كبيرة ثم اجد السخان الكهربي في اسفل الكرتونة ولا ادري لماذا احسست وكأني رائيت قنبلة موقوتة بدلا من السخان واقف للحظة ناظرا الي الكرتونة ثم انطلق متوجها الي الدار يناديني حسن من خلفي
: رايح فين يا عمي !؟!؟!؟ عايز ايه بس واني اجيبه لك ؟؟؟
انادي محمود فيأتيني مسرعا امسكه في يدي وادخل الدار ذاهبا للسلم ينظر الي الولد مبتسما ويقول
: طالعين السطوح تاني !؟!؟!؟ هانخرب ايه المرة دي !؟
: اطلع ياللمض وانت ساكت ! هانجيب حاجة وننزل علي طول !
يسرع خلفي بعد ان تركت يده قافزا علي درجات سلم الدار واصلا للسطوح متوجها للجهة البحرية ثم اكوم غومر حطب قطن مع غومر قش ارز ( الغومر = رزمة يحيطها الذراع ) ثم اقف ناظرا الي عامود الاقراص بجانب الماطر مبتسما يأتيني محمود
: بتعمل ايه يا عمي !؟!؟!؟
: شايف سطر الاجراص ده ياض ياحودة ؟؟؟
: ماله يا عمي !؟!؟!؟
: تعرف تطلع علي الجش وتجيب لنا جورصين ولا تلاتة ؟؟؟
: ليه يا عمي !؟!؟!؟
: ماتطلع وانت ساكت ياللمض !
يصعد الولد علي اكوام الحطب والقش حتي يصل الي عامود الاقراص ويحاول تحريكه
: ده ناشف جوي يا عمي !!!
: هات من علي الوش يا جحش انت ! ماتهزوش من تحت !!!
ينجح الولد في تحريك القرص الاول لكنه يتفتت بين يديه الصغيرتان
: ولا يهمك شوف اللي تحت منه بشويش المرة دي !
فينجح الولد في خلع ثلاثة اقراص سليمة ويعود الي مبتسما قائلا
: هد لنا الدار بجا عشان دور شاي !
: انزل ياجحش دي الشيلة بتاعتك واسبجني علي تحت واني جاي وراك علي طول !
احمل غومرين الحطب والقش بزراعي وانزل سلم الدار متوجها للباب البحري الي المربط القي مابيدي ينظر الي الاولاد مندهشين وانا انفض ملابسي متجاهلا نظراتهم يبادرني حسن بسؤال
: ايه ده يا عمي ! هاتعمل ايه !؟!؟!؟
اتجاهل سؤاله وانظر الي الحوض الزراعي امامي واناديه
: واد ياحسن ! هات لنا كوزين درة يا ولا !
ينطلق حسن مناديا خالد ابن عمه وينزلون الي الارض لجمع بعض اكواز الدرة وابداء انا في عمل حفرة صغيرة في الارض بقطر 30 سم تقريبا وعمق 10 سم بعد ان اتخذ جلستي علي احد المساند في طرف المربط من جهة الدار والاراضي الزراعية علي يميني انادي محمود ثانية
: واد يامحمود شوف لي تلات جوالب طوب !
يذهب مع سعيد ابن عمه ايمن الي الدار وسرعان مايعود حاملا قالبين من الطوب اللبن وخلفه سعيد يحمل قالبا هو ايضا يناولني محمود القالبين اضعهم علي جانبي الحفرة وامد يدي لسعيد اخذا القالب الذي معه واضعه بين القالبين بالعرض صانعا مربع ناقص ضلع علي جوانب الحفرة وامد يدي لغومر القش قابضا منه مليء يدي صانعا للفتين منه في الحفرة واخذ بعض اعواد حطب القطن واكسرهم علي ركبتي واضعهم فوق القش طولا وعرضا ثم اخرج ولاعتي لأشعل القش من تحت الحطب قيشتعل القش سريعا ويبداء بالتهام الحطب اجهز بعض لفافات القش من الغومر بجانبي وسرعان مايائتيني وليد اصغر ابناء ايمن اخو خليفة الصغير ليجلس بجانبي ويري ما افعل ينظر الي راكية النار المشتعلة قليلا ثم ينظر الي يتأملني وكأنني ساحر في سيرك يقوم بأحد الاعيبه انظر اليه مبتسما واغمز له بعيني فيرد الابتسامة باخري من عنده ولكني اكاد اجزم بأنني لم ولن اري في حياتي اجمل والا احلي من هذه الابتسامة المليئة بالبرائة علي وجه هذا الطفل ذو الخمس سنوات سرعان مايعود حسن ومعه خالد حاملان شوال صغير يفرغونه امامي واجد مالا يقل عن ثلاثون كوز درة
: ايه ده كله ياواد ياحسن !!! هانأكل البلد كلها ولا ايه ؟!
: ناكل اللي ناكله والباجي نروحه علي الدار !
: طب اجعود انت وهو جشروا الكيزان دي !
يجلس الاولاد الاربعة حول راكية النار ينزعون اغلفة كيزان الدرة واوجه لهم التعليمات بان لا ينزعوا الغلاف الاخير علي الكوز ووليد بجانبي يتقرب بتروي الي ان شعر بإلفة بيننا ساندا بكوعه علي ركبتي وانا بين حين واخر اضع لفافة قش او عودين حطب في النار اسأل حسن
: عندكم جوالح درة ياواد يا حسن ؟؟؟
: ايوة يا عمي !
: جوم هات لي شوية ياولا !
يقوم مسرعا لداخل الدار وسرعان مايعود حاملا بين يديه بضعة قوالح يلقيهم امامي فاقوم بوضعهم علي الراكية لعمل سطح متماسك للنار ثم ابداء بشوي كيزان الدرة وهنا اتذكر وقودنا السحري وسر خلطتنا الذي لاغني عنه في اكساب اجمل والذ طعم ورائحة لكل مايصنع علي هذه النار اسحب قرص من اقراص الجلة الثلاثة واقسمه اربعة اجزاء واضع ربع منه علي طرف النار في الراكية وسرعان مايبداء مفعوله في السريان وينظر الي الاولاد في دهشة من ما افعل وسرعان مابداء ظهور نتائج حقلة الشواء التي اقيمها مع الاولاد وبدائنا حصاد اول اربعة كيزان من الدرة المشوي الطازج قسمتها بين الاولاد بعد احتجاز نصف كوز مميز لوليد الذي لايزال يرتكز بكوعه علي ركبتي وتزيد النار ويزيد تصاعد الدخان حاملا معه اجمل واشهي رائحة علي الاطلاق لأي نار وسرعان ما انتبه علي صوت خليفة الجهوري من خلفي متزمرا
: والله ياعم انت وش هم وهاتولع فينا النهاردة بدماغك اللي زي البولغة دي !!! ( البولغة = سابوو احد انواع احذية الفلاحين المنقرضة )
التفت اليه مكشرا عن انيابي رافعا حاجب عن الاخر ومحاولا تخفيف الامر علي الاولاد الذين تغير حالهم ولاح الخوف علي وجوههم
: بس يابني انت ماتعليش صوتك ! وتعالي اتلجح هنا خود لك كوز واسكت !
يتقدم نحوي مبتسما وتنفرج اساريره ويجلس بجانبي حاملا وليد في حجره فأنهره ثانية امام الاولاد لكي اثبت لهم مدي سيطرتي علي امور الجلسة وتثبيت قيادتي مرة اخري .
: ايه اللي حدفك علينا الساعة دي ؟ والله انت نكد صحيح ! انا ماصدجت اتعرفت علي وليد وبجينا صحاب بناكل درة مع بعض !
ينظر الي مبتسما وهو جالسا علي حجر عمه خليفة وينظر الي عمه فيرد خليفة
: وليد ده واد راجل ! احسن واد عندنا في الدار !
: طبعا وكمان مؤدب وبيسمع الكلام !
اناول خليفة كوز درة من تاني حصاد لحفلة الشواء واعطي الثلاثة الاخرين للاولاد الاربعة يتقاسمونها كل حسب هواه واضع غيرهم علي النار بعد تجديد القوالح فينادي خليفة علي حسن
: واد ياحسن جوم املا لنا شوية مية نعملوا دور شاي !
: طب ناولني الكنكة من الكرتونة اللي وراك ياعم !
: هاتعمل ايه ؟؟؟
: هاعمل لك شاي !!!
: لا ياعم انت عايز تبوظ الكنكة !!! وام حسن ماتدخلنيش الدار ! حسن هايعمله علي السخان !
: سخان ايه ياعم انت ؟؟؟ مش هانشربه إلا علي الراكية !
: طب استني !!!
ينهض خليفة واضعا وليد مكانه ويذهب لداخل الدار يغيب برهة ويعود حاملا معه برادان اعرفهما جيدا فابتسم له
: جبتهم منين دول يابن الذين انت !!! هما لسه عايشين ؟؟؟
: فاكرهم ؟؟؟ بتوع ستك خديجة ! متشالين في غرفة العجين زي ماهما تمام !
ننفجر ضاحكين ويبداء خليفة في غسلهم جيدا بالمياه التي احضرها حسن واحصد انا الدفعة الثالثة من حقلة الشواء والتي لم تجد من يأكلها فكلنا مشغولين بالاعداد لعمل دور الشاي يناولني خليفة البراد الكبير بعد ان غسله جيدا فاقوم بعيار المياه علي قدر كوبين ونصق واضع البراد علي الراكية ثم اضع بجانبيه كوزان لشوائهم ولكن اسمع صيحات اعتراض من الاولاد في وقت واحد تقريبا
: ماعملتش حسابنا ليه يا عمي !!!!!
انظر اليهم جميعا ثم ابتسم لهم
: لا ياولاد انا عامل حسابكم بس في الدور التاني !
ينظر الي خليفة مبتسما فانظر له غامزا بعيني
: زمان كان الكبار يشربوا الاول ! واحنا الصغيرين نشرب الدور التاني !
سرعان مايغلي الماء فاقوم بتقدير عبار الشاي واكشف غطاء البراد واضع الشاي فيه ثم انتظر قليلا يأتي خليفة ويناولني البراد الصغير ثم يجلس مرة اخري واضعا وليد علي حجره فاقوم بوضع السكر في البراد الصغير ويأتيني حسن بالاكواب فاضعها جانبي وارفع البراد الكبير من علي النار بعد غليانه اضعه جانبا واضع مكانه كوزان اخران من الدرة واسحب الاولان اضعهم للاولاد اصب الشاي من البراد الكبير للبراد الصغير واقوم بتقليب الشاي جيدا ثم اضع المياه في البراد الكبير مرة اخري واضعه علي النار بعد اخلاء مكان له ثم اضع كوبين امامي واصب الشاي فيهما رافعا يدي مما يتسبب في عمل رغوة في الكوبين ثم اناول خليفة كوب واخذ الثاني لنفسي يناولني خليفة سيجارة اسحب عود حطب واشعل طرفه من الراكية واشعل به سيجارتي اشرب قليلا من الشاي واحاول ان اتزوق طعمه يا الهي ما هذا الذي اشعر به اسمع خليفة بجانبي يتلذذ بطعم الشاي ايضا
: الله يابن عمي ! يااااااااااااااه !!! ماشربتش شوية شاي زي دول من ايام ستي خديجة ياولا ! فاكرها ؟؟؟
لا استطيع الرد عليه ولا اعرف مالذي يتملكني الآن من احاسيس فجأة اري نفسي جالسا بجانبه علي باب المندرة البحرية وامامنا تجلس ستي خديجة في وسط المندرة امامها راكية النار في الجصعة وعليها نفس البراد الكبير وبجانبها الاكواب والبراد الصغير تصب الشاي وتناول الجالسين في المندرة يأخذ منها سيدي عبد الله ويعطي سيدي محمد وسيدي احمد ثم يجلس بجانبهم علي مصطبة المندرة ماهذا نحن صغار في مثل سن الاولاد امامي ونجلس امامها علي باب المندرة مثل هؤلاء الاطفال امامي ننتظر الدور الثاني بعد ان يشرب الكبار يا الهي المندرة ممتلئة كل اعمامي حاضرون داخلون او خارجون عمي عطية خارجا يصيح
: جوم فز يابن ...... انت وهو وسعوا السكة !!!
افيق من ما انا فيه انظر للاولاد امامي وارفع البراد الكبير من فوق الراكية واضع بعض اعواد الحطب بعد كسرهم علي ركبتي المح خليفة ينظر الي مبتسما ولا التفت اليه اضع السكر في البراد الصغير واصب من البراد الكبير واقلبه جيدا ثم اصب في الاكواب للاولاد امامي ولا ادري لما وضعت الماء مرة اخري في البراد الكبير ووضعته علي النار لا ادري ما الذي حل بي اقوم واقفا في يدي كوب الشاي والسيجارة اذهب لباب المندرة البحرية واجلس كما رائيت نفسي منذ للحظات
يا الله ما هذا الذي اشعر به في الثلاث ساعات الاخيرة تعصف بي مشاعر واحاسيس لم اعهدها منذ بعيد انظر لداخل المندرة ولا اري اي شيء وفجأة اري المشهد السابق مرة اخري ستي خديجة تجلس وحولها كل اعمامي انهم يستعدون لنزول الغيط كل واحد يعرف ماذا سيفعل يضحكون مع بعضهم البعض ويبدائون في التحدي من سينجز مايخصه قبل الاخر الاخوة وابناء عمومتهم ابي وعمي وابناء عمهم عبد الله وابناء عمهم احمد تسعة رجال في احلي للحظات حياتهم منطلقين في سعادة وستي خديجة تشعلهم حماس وتنادي الغداء بعد اذان الظهر ومن لم ينتهي من عمله لا غداء له ويضحكون وتضحك يناديهم سيدي احمد من الخارج
: يالله ياولا انت وهو ! عايزين نجطع شوط جبل الضحي مايعدي ! وتحمي الشمس علينا !!!
: حاضر يابا احمد جايين اهو !
: هيم امال انت وهو بلاش لاكاعه !
افيق مرة اخري علي صوت الاولاد يتصايحون عند المربط وقد اوشكت الشمس علي المغيب وخليفة جالس مكاني امام الراكية يكمل شواء الدرة وافكر فيما رائيته توا يا الهي هل يجتمع اعمامي ؟ مرة اخري هل اراهم يعملون سويا مرة اخري ؟ الباقي منهم علي الاقل ؟ ياربي ماهذا الذي افكر فيه ؟؟؟ تغيرت الظروف كثيرا نادرا ما اراهم مجتمعين سويا
( في حالات العزاء اجدهم جميعا حتي المريض منهم يأتي وايضا كل ابنائهم ) وكم اعجب حين ينتابني شعور بالسعادة عند رؤيتهم مجتمعين لكن الموقف يناقض شعوري فاحاول جاهدا اخفاء سعادتي قدر ما استطيع ثم ينتهي موقف اجتماعهم مما يضطرني للدوران في شوارع البلد وحارتها لكي ازور كل منهم في بيته قبل سفري لمصر مرة اخري يا الهي كم اتمني ان اعود صغيرا في وسطهم مجتمعين مرة اخري ! لكن انتظر !!! اين حياتي الآن من ما اتمني ان اعود اليه !؟!؟!؟ ماهذا الذي يدور في عقلي ؟؟؟ لا استطيع السيطرة علي عقلي يجنح للجموح بشكل مبالغ فيه ولكن مايدخلني فيه جميل وممتع عشته من قبل وجربت متعته ! ما هذا ؟ كل هذا يفعله دور شاي ؟؟؟ اي شاي هذا الذي يفعل ذلك ؟؟؟ افيق علي صوت حسن يناولني كوب شاي اخر من صنع خليفة
: اتفضل يا عمي !
: شكرا يابو علي ! خد ادي دي لابوك !
اناوله سيجارة يعطيها لابيه واشعل لنفسي واحدة مع كوب الشاي واستمر في التفكير فيماصارت عليه احوال العيلة ولكن هذه قصة اخري فلنحكيها المرة القادمة

هناك تعليقان (2):

  1. مش قلتلك نواه كاتب كبير افتخر بوجوده بمدونتى اتمنى لك التوفيق وانتظر باقى حلقاتك الجميله

    ردحذف
  2. اسعدني مرورك الكريم
    واسعدتني مجاملتك الرقيقة

    ردحذف